أربعة أحداث هي من أعظم الأحداث في المسيحية وهى :
تجسد أبن الله وصيرورته ابناً للإنسان ، القيامة ، الصعود إلى السماء ،
ومجيئه الثاني ليدين المسكونة . كان يوماً عظيماً لكوكبنا عندما ظهر أبن الله
عليه في مثل جسدنا ، وكان يوماً هاماً جداً عندما قام القبر ، وكان يوماً
مهيباً للكنيسة عندما أخذته سحابة على مرأى من الرجال واختفى عن الأرض، ولكن
سوف يظل هناك يوم أعظم للعالم وهو عندما يعود المسيح ، الذي صعد مرة أخرى إلى
المجد .
ليتنا نركز تأملنا في معجزة الصعود ، ما هي وماذا تعنى ؟
وكما أتى الرب يسوع إلى العالم بطريقة فائقة الطبيعة ، هكذا تركه . إن أفضل
ما يمكننا أن نعرفه عن وصف الصعود هو مستند من سفر الأعمال :
" ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم ، وفيما كانوا
يشخصون إلى السماء وهو منطلق ، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا :
أيها الرجال الجليليون ، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء ، إن يسوع هذا
ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً على السماء " ( 1 : 9
– 11 ) .
ارتفع
إن كلمة : ارتفع لا تعني مجرد أن يسوع صعد عدة أقدام فوق سطح البحر ، و لكنها
تعني أيضاً أنه من خلال صعوده فإنه دخل في وجود أعلي ، أرتقي إلي عالم حياة
أخر مختلف في وجود أعلي ، ارتقي إلي مجد ، إلي عالم حياة أخر مختلف ، أي
السماء
من المشوق أن نلاحظ أن الشخص عندما يصعد في الفضاء الخارجي ، فإنه يدخل إلي
عالم مختلف عن هذا الذي نعرفه هنا علي الأرض ، وعلي سبيل المثال ، فإن
العلماء يخبروننا أنه مع نهاية هذا القرن ، سوف نستطيع أن نتخطى حاجز الضوء
تماماً مثلما أمكن تخطي حاجز الصوت ، و بكلمات أخري ، فإن الإنسان سوف يستطيع
السفر بسرعة الضوء ، أي بسرعة 186 ألف ميل في الثانية ، ولكي نصل إلي أقرب
نجم هذه السرعة ، فإننا سوف نحتاج إلي عشر سنوات ، منها خمس سنوات في الذهاب
وخمس سنوات في العودة ، وسوف نعود وعمرنا قد زاد 10 سنوات عند عودة مركبة
الفضاء ، ولكن في الواقع ،فإن هذا الزمن سوف يكون 10 أيام فقط ! لماذا ؟ لأن
المركبة عندما تتخطي حاجز الضوء ، فإنها تبلغ النقطة التي يتوقف عندها الزمن
. الزمن في الفضاء يختلف تماماً عن هذا الموجود علي الأرض . إنه عالم مختلف
تماماً . هذا ما يعنيه بالضبط العهد الجديد عندما يقول إن يسوع : ارتفع ، أي
أنه دخل إلي مجال جديد للحياة مختلف تماماً عن هذا الذي علي الأرض
بعد أربعين يوماً
يقول العهد الجديد إن صعود يسوع حدث بعد 40 يوماً من القيامة . و يخبرنا بعد
قيامته . يوجد سببان لظهورات الرب لهم طوال هذه المدة :
أولاً : ليتيقنوا فوق كل شك من حقيقة قيامته من الأموات ، فلو كان ظهر مرة
واحدة ، فقد يقول الناس في الأجيال اللاحقة إن ظهوراً واحد للقيامة هو خرافة
من تخيل شخص ما ، ولكن ظهوره عدة مرات وفي ظروف وفي أوقات وأحوال وأماكن
مختلفة ، فهذا يجعل حقيقة قيامته فوق كل شك
ثانياً : كان لأجل التعليم . ولكن لماذا كان يلزم للتلاميذ أن يفهموا عن يسوع
بعد قيامته أكثر كثيراً من ذي قبل ؟ طبعاً نحن لا نشك أن هذا حدث من خلال
الروح القدس الذي حل عليهم يوم الخمسين ، ولكن أيضاً من خلال تعليم يسوع فترة
الأربعين يوماً : (الذين أراهم أيضاً نفسه حياً ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو
يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت السموات ) أع 1 :3
وفي واحد من الأناجيل نقرأ أن يسوع خلال هذه الأربعين يوماً : (ابتدأ من
الكتب ) لو 24 : 27 . ثم تبع هذه الظهورات المتوالية بعد قيامته وتعاليمه
لتلاميذه أن يسوع : ( أخرجهم إلي بيت عنيا ورفع يديه وباركهم ... و انفرد
عنهم وأصعد إلي السماء لو 24: 50 و51
لماذا انطلق ؟
لماذا تركهم يسوع ومضي في وقت كان يمكنه أن يعمل كثيراً علي الأرض ؟ الإجابة
أعطاهم يسوع نفسه : ( خير لكم أن أنطلق ، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي
، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ) يو 16 : 7 . يخبرنا يسوع هنا أن هيئته البشرية
سوف يحل مكانها حضور المعزي والمعين ، أي الروح القدس . إنه سوف يأتي بنا إلي
اتصال أكثر مع يسوع بدرجة أكبر مما هي موجودة لو كان يسوع قد استمر معنا
بهيئة بشرية . لو بقي يسوع معنا علي الأرض لما كان لنا لقاء معه أكثر من لمسة
اليد أو سماع الأذن المودة والصداقة التي يريدها الله مع أروحنا ، أو التي
تريدها أروحنا في علاقتها مع الله ولكن إن صعد إلي السماء ، فسوف يستطيع أن
يأتي ويسكن في كل واحد منا بملئه ، حتى يصير فكرنا وفكرة وحياتنا حياته وعلي
سبيل المثال ، أليس الروح القدس هو الذي يؤثر في الأسرار ويحول الخبز والخمر
في القداس الإلهي ، وهكذا يحضر إلينا المسيح في سر الشركة ؟ وبنوالنا المسيح
في هذا السر ، فإنه يأتي ليملأ حياتنا بحضوره . وهكذا إذ يصير المسيح فينا
كلنا ، فإنه يعطينا التزاماً خاصاً جداً أن نمجده اليوم في العالم بحياتنا ،
وأن نكون مسحاء منظورين نحيا ونعمل كأدوات في يديه ووكلاء له ، سفراء عنه ،
شعباً خاصاً له
وعلي ضوء ذلك ، فإننا لن نجد أن يومي الصعود و الخمسين هما يومان مقدساً
منفصلان ، ولكن الصعود هو مقدمة لحلول الروح القدس . يمضي يسوع ليرسل لنا
الروح القدس ويمضي ليغير الشكل الذي سيعمل به بيننا ، و الآن سوف يعمل من
خلالنا نحن الممتلئين بالروح ، الممتلئين بالمسيح ، نحن أعضاء جسده ، الكنيسة
البشرية تصعد مع المسيح
نزل المسيح من السماء كابن الله الأزلي ، ولكن عندما عاد إلي كرسي المجد و
الكرامة عن يمين الأب ، فإنه أخذ معه طبيعتنا البشرية . عاد الإله المتجسد
إلي أبيه . إنها طبيعتنا في كل شيء – ما عدا الخطية – هي التي جلست عن يمين
الله ابن الله نزل ليكون واحداً منا ، وصعد ليمكننا أن نصعد معه من خلال
الصعود وتمجيد المسيح وجلوسه علي العرش مجدت كل الطبيعة البشرية وجلست عن
يمين الأب . وبما أن بشرية المسيح ارتفعت إلي الأماكن السمائيه ، فإن بشريتنا
سوف ترتفع هكذا أيضاً . إن صعودنا هو برهان علي أن الإنسان جعل للسماء وليس
للقبر ، للمجد وليس للفساد
في يسوع الصاعد نبلغ مقصدنا ، النصيب الحقيقي للإنسان ومع أنه بسبب ضعفنا
الحاضر ووهننا وجهلنا وآلامنا قد يبدو أنه نصيب بعيد المنال جداً عنا ، إلا
أن نفس القوة التي رفعت يسوع ومجدته سوف ترفعنا نحن أيضاً
الآن علمنا أنه توجد طبيعة بشرية مثلنا ، لذلك فهي تمثلنا تماماً ، اخترقت
الحاجز الأخير وعبرت العتبة الأخيرة التي تفصل البشري عن الإلهي . ولأننا
واحد معه وفيه ، فإن انجازته إنما هي لنا . لذلك لا يتردد أبدأ القديس بولس
في أن نصف المسيحيين بأن الله قد : ( أجلسهم معه في السماويات بالمسيح يسوع )
أف 2 : 6
وجلس عن يمين الأب
يتكلم القديس مرقس عن الصعود في عبارة واحدة فيقول : (إن يسوع أصعد إلي
السماء وجلس عن يمين الله ) إن العبارة : جلس عن يمين الله لا يجب فهمها
حرفياً ، فالله ليس له يد يمني ويد يسري . إنما هذه مجرد صفات بشرية . ولكن
المقصود هنا هو ألوهية يسوع . من يمكنه أن يجلس عن يمين الله إلا ملك من درجة
متساوية ؟ إن المسيح الصاعد يأخذ مكانه الصحيح في المجد والكرامة في السماء
في ملوكية الله في الكون إنما هو مضبوط به
يملأ كل الأشياء
يقول القديس بولس عن يسوع : ( صعد أيضاً فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل )
أف 4 : 10 والطبعة الإنجليزية الجديدة تقول : لكي يملأ العالم عندما صعد
المسيح إلي السماء ، فإنه تحرر من جميع حدود المكان والزمان . تحرر ليكون
موجوداً بحبه وقوته مع كل إنسان في كل مكان وفي كل عمر ، إذ هو يملأ العالم
بحضوره . صار يسوع أقرب لنا الآن عما كان من قبل . إن هذا المنظر نراه بشكل
بديع وبجمال خاص في واحدة من أيقونات الصعود ، حيث يصور لنا راسم الأيقونة
المسيح الصاعد أكبر وأكبر حتى تكون الكرة الأرضية نفسها ليست إلا كرة صغيره
يمسكها المسيح في يده وبكلمات و بكلمات أخري ، فمن خلال صعوده ، فإن المسيح
يظهر كفائق علي المكان و الزمان كملك العالم : ( إذ أقامة من الأموات وأجلسه
عن يمينه في السماويات ، فوق كل رياسة و سلطان وقوة وسيادة و كل اسم يسمي ليس
في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً ، و أخضع كل شيء تحت قدميه ، وإياه
جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل ) أف
1 : 20 -23