الأقباط متحدون تنفرد بأول حوار مع القمص مرقس عزيز بعد خروجه من مصر
--------------------------------------------------------------------------------
حوار: مجدي ملاك – خاص الأقباط متحدون
أبونا مرقس عزيز واحد من رجال الدين القلائل الذين يعبرون بوجهة نظر مختلفة وربما نبرة غير تلك التي يعبر بها الآخرون، فهو في حديثه صادق دون أن يحاول تجميل الأشياء أو استخدام أسلوب الدبلوماسية الناعمة، تشعر أنه قوي في الحق، يمتلك شخصية قوية تنبع من ثقافته وإيمانه معًا، فهو ليس فقط رجل دين ولكنك حين تجلس معه تعتقد أنه موسوعة في الفن والثقافة والدين وغيرها من العلوم التي تجعلك تستمع إليه بنوع من الإصغاء ولا ترغب في أن تنهي حديثه معك بسهولة، لديه رؤية كما لديه موقف، ولا يخشي أن تكلفه مواقفه شيئًا فهو يؤمن أن لكل شيء ثمن، ولا ينكر استعداده لدفع ثمن دفاعه عما يؤمن به.
خرج من مصر، وتسبب خروجه في إثارة العديد من الاسئلة، خاصة أن الكل كان يعتقد أنها زيارة قصيرة ثم سوف يعود ولكنه لم يعد، وظل الجميع يسأل عن سبب ذلك، وزادت التكهنات واختلطت الحقائق، وفي كل هذا كنت أتابع بدقة كل ما يخص أبونا مرقس حتى تحادثنا في يوم من الأيام وطرحت عليه فكرة إجراء حوار خاص يرد فيه على كل اللغط الذي حدث بعد خروجه من مصر.
وفي الحقيقة لم يخذلني أبونا مرقس ووافقني على ما اقترحت عليه وأخص الاقباط متحدون بهذا الحوار الذي قبل أن يقرأه القارئ العزيز أود أن أشكر جناب القمص مرقس العزيز على موافقته لإجراء أول حوار معه بعد خروجه من مصر، وإلى حضراتكم هذا الحوار الخاص:
** أبونا مرقص هل هناك نيه في الرجوع إلى مصر قريبًا؟
* أنا كاهن الكنيسه المعلقة, والكنيسة المعلقة في دمي وفي كياني ومصر في كل ذره مني, لكني أيضًا خادم للسيد المسيح أقوم بخدمته أينما يرسلني و لكل شيء تحت السماء وقت.
** هناك من يقول أنك خرجت بشكل إجباري من مصر، ما ردك على هذا؟
* انا مصري و لا يستطيع أحد أن يخرجني من بلدي بالقوة أو بالإجبار، ربما يرجع السبب في هذه الأقاويل إلى الأسلوب الرديء الذي يتبعه جهاز أمن الدولة معي عند سفري أو رجوعي، حيث يحتجزونني في كل مرة بالمطار ويدخلونني مكتب أمن الدولة ويتم تعطيل الطائرة ويتم إنزال الحقائب مرة أخرى بعد وضعها بالطائرة وإعاده تفتيشها. وفي المرة الأخيرة كان تصرفهم معي مستفزًا بصورة غير عادية وبالطبع تعطلت الطائرة عن موعدها كالعادة حوالي ساعة وقاموا بالإتصال بالسيد وزير الداخليه الذي حسم الموضوع. وكانت الصورة قبيحة أمام الجموع المتواجده بالمطار، والمشهد سخيف كاهن مُحاط بعدد كبير من رجال أمن الدولة لا أعرف من أين جاءوا، وكنت قد عرفت في إحدى المرات من الضابط المسؤل أن هدفهم من التفتيش الشديد الذي يتم معي هو البحث عن أي أوراق.
فقلت للضابط: لا يوجد قبطي يخون بلده لأنه ابن البلد الحقيقي.
وسألته: هل سمعت عن الفاكسات والإنترنت؟
فأجاب: نعم.
قلت له: لو أراد شخص خائن إدخال أو إخراج أوراق فما أسهل أن يرسالها بالفاكس أو الإنترنت، فلماذا تفعلون هكذا؟، هل هي غلاسة؟، هل تتصورون أننا سنتخلى عن بلادنا و نتركها؟
فقال: أنا عبد المأمور.
ومرة أخرى قام أحد الضباط بالإمساك بقطعة من الملابس وقرأ عليها مكان الصناعة وقال لي: ها فتلها فتلاية فتلاية -أي أنه سيحولها إلى خيوط (فتل)-.
فقلت له: هناك مثل بيقول يا آبا علمني الهيافة، قال له روح في الهايفة واتصدر.
فثار وانفعل فطلبت قائده الأعلى الذي اعتذر وهدأت الأمور.
** البعض يقول أنك سبب في توحيد نشاط أقباط المهجر وأنك ذهبت هناك من أجل التأثير في التظاهر أو عدمه نظرًا لما تتمتع به من كاريزما؟
* أنا ابن مصر وأحب بلدي وأعرف الأصول، لقد انتدبت أكثر من مرة للخدمه بالخارج ولم يحدث خلال تواجدي خارج مصر أن عملت أي عمل يمكن أن يمسكه أحد ضدي، إنني أقول ما أريد وأنا في مصر، والكل يعلم أنني كنت أتحدث في غالبية القنوات الفضائية والمحلية وأكتب في غالبيه الصحف وكنت أقول ما أريد مهما كانت النتائج، ولكنني أفعل هذا وأنا داخل مصر، أما وأنا في الخارج فأستخدم أسلوب ضبط النفس علي قدر الإمكان، أما توحيد نشاط أقباط المهجر فهذا شيء ضروري والكنيسة لا تتدخل فيه مطلقًا ولكن من الواضح أن أقباط المهجر تداركوا هذه الحقيقة خاصة بعد خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة وحديثه ودفاعه عن حقوق الأقليات وخاصه الأقباط في مصر وحقوق المرأة، ومن المؤكد أن ذلك كان نتيجه ارتفاع العديد من أصوات الأقباط في المهجر والتي بدأت تؤتي ثمارها في التعريف بالملف القبطي لدى مراكز صنع القرار حول العالم. لقد جاءت كلمات أوباما تكليلاً لجهود مستمرة لجنود مجهولين وآخرين معروفين، لذا نصلي أن يبارك الله كل عمل مخلص لصالح بلدنا المحبوبة مصر ولصالح كل المصريين، فإذا كانت الجهود الفردية أثمرت فما بالنا لو نظم الأقباط انفسهم وخلقوا لهم عقلاً سياسيًا يخطط للمستقبل ويبني على ما تم إنجازه، ليتهم يدركون أن القضية القبطية تعلو فوق كل الأسماء، فوق كل الهامات.
ليت أقباط المهجر ينسون ذواتهم وليكن تركيزهم على هذه القضية حتى تأخذ كل الإهتمام، ولا يخفى على أقباط المهجر أن الأصوات المعارضة لهم ستعلوا وستعمل على محاربتهم أكثر، وبالفعل فقد طالب الدكتور يحيى غانم في برنامج إفريقيا على قناه النيل الإخبارية بأن على الكنيسة أن تعتذر وأن تصحح المعلومات الخاطئة التي أعطاها أقباط الولايات المتحده لأعضاء الكونجرس (تصوروا الحقائق يعتبرونها أكاذيب)، ونفس الشيء صرح به الدكتور أحمد ماهر وزير الخارجية الأسبق في برنامج البيت بيتك، أما د. فتحي سرور فقال تعليقًا على سؤال أحد الصحفيين: أن خطاب أوباما تضمن ألا يفرض على دولة ما شيئًا من خارجها.
** البعض يقول أنك ممنوع من الكتابة أو الظهور في أي من الصحف المصرية أو أي قناة تليفزيونية يمكن أن تستضيفك هاتفيًا؟
* هذا غير صحيح فقد استمريت في كتابه مقالي الأسبوعي لقاء الأحد بجريده الوفد لعده شهور بعد سفري، ولكن كثرة المشغوليات هي التي منعتني من الإستمرار، وعند الضرورة أقوم بالكتابة ومنذ أيام قليلة كتبت في روزاليوسف مقالاً ردًا علي المدعو هداية الذي أساء إلى قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث أطال الله حياته وأساء إلى كتابنا المقدس.
** هل حقًا كانت هناك نية لترتيب مظاهرات كنت ستشارك فيها في حال قيام الرئيس مبارك بزيارة أمريكا؟
* أنا لست بهذه السذاجة حتى أفعل هذا الشيء، لا لأنني أرفض أن يدافع الأقباط عن حقوقهم المشروعة والمسلوبه بل المنهوبة، ولكن لأنني أعلم أن هناك الكثيرين من بين المسؤلين سواء في الإعلام أو المناصب العليا مصابين بمرض اسمه الإستقواء بالخارج وبالذات أمريكا، ولأنني كاهن قبطي وأمثل الكنيسة العريقة الأرثوذكسية أتمنى أن أقوم بهذه المظاهرة عند عودتي إلى القاهرة وليس في الخارج، كما أن الرئيس مبارك هو رئيس بلدي، حقًا ظلمنا كأقباط ولم يعطنا حقوقنا وسيسجل له التاريخ ذلك ولكنني أثق أن في داخل مصر رجال من الأقباط لن يكلوا ولن يملوا من المطالبه بحقوقهم كما أنني سأترك الرئيس لله الذي سوف يحاسبه في يوم الحساب وأدعو له أن يتذكر يوم وقوفه أمام الله الديان.
** البعض يعتقد أن اشتغالك بالتنصير هو السبب في استبعادك من مصر؟
* أنا قلت قبل كدة أني لم استبعد ولا يستطيع أحد إبعادي، والحقيقه اللي لازم تكون معروفة عند الناس كلها إن التنصير هو من الأعمال الأساسية للكاهن ولا ننسى أن السيد المسيح في نهاية إنجيل معلمنا متى أوصى تلاميذه وخلفائهم من بعدهم قائلاً: اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر، آمين. فهل يُعقل أن يكون الكاهن خادمًا للمسيح وهو لا ينفذ تعاليمه؟.
** ما هو مصير العائدين للمسيحية في اعتقادك بعد قرار المحكمة الدستورية بأحقيتهم في العودة؟
* هناك قول شائع يقول لا يضيع حق وراءه مطالب، هذا القول ينطبق على كل مكان في الدنيا ما عدا بلادنا الحبيبة مصر، ففي مصر لا يضيع حق إلا إذا كان المُطالب قبطي. في مصر يقولون يا ما في الجراب يا حاوي أو ماذا في الجراب يا قاضي؟ فالقضاء المصري (ربنا يجعل كلامنا خفيف عليه) أصبح شوكة في ظهر الأقباط ولا يحكم بالقانون، بل بمزاج القاضي وبمقدار تعصبه وغالبية القضاة أصبحوا وهابيين، وهل نسينا ما يفعله القضاء بالأقباط ومواقفة من الكنيسة؟، هل نسينا موقف القضاء من الأب الموقر متاؤس؟.. لقد اعلنت محكمة جنايات الجيزة أنها غير مختصه بالنظر في قضايا النشر وذلك عند نظر القضية التي أقامها الصحفي مصطفى بكري رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الأسبوع وعضو مجلس الشعب ضد زميله الصحفي ياسر بركات رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الموجز والتي تم نظرها يوم 8\6\2009، والغريب أن هذا الحكم قد صدر بعد حوالي ساعتين من صدور حكم آخر من محكمة جنايات الجيزة أيضًا ولكن في "دائرة أخرى" بتغريم رئيس تحرير الموجز مبلغ عشرون ألف جنيه في قضية أخرى رفعها بكري أيضًا على الرغم من أن النشر لم يكن متعلقًا بأعماله كعضو مجلس شعب.. ويا عيني على العدل والقانون فيكي يا مصر يا بلد العجايب.
هذا هو حال القضاء المصري.. لقد كنت مشاركًا في قضايا العائدين وكنت أحضر جلسات المحكمة وكنت أستشعر من نظرات هيئة المحكمة الموقرة وانفعالاتهم الكثير مما في قلوبهم ولا داعي للخوض في ذلك. المهم لا بد أن ينتصر الحق والله لا يرضى بالظلم، مطلوب من الأقباط أن يكونوا في حالة استعداد تام للعمل من أجل الحصول على حقوقهم ومساواتهم بمن يعيشون معهم في بلادهم القبطية ولن يكون المشوار هينًا بل كفاح طويل. والله المعين.
** المجتمع المصري شهد الحديث عن إمكانية تغيير المسلم لدينه، ولكن ما زالت هناك مشاكل كبيرة داخل المجتمع وجدال حول هذا الأمر، ما هي توقعاتك لتلك القضية المثيرة؟
* لا بد أن يفيق بعض الأخوة المسلمين العقلاء والمتعلمين ويعرفوا أن الأمور لا تُقاس بالعدد، فما معنى أن يكون شخصًا يرفض الإسلام كدين ولكنه يعيش مسلمًا بالإكراه، يعيش مسيحيًا في داخله وفي إيمانه وفي قلبه، لا بد أن يرفض عقلاء المسلمين أن يضعوا رؤسهم في الرمال. لا بد أن يعرفوا أن أسلوب العنف لا يوصل إلى شيء وأن الإسلام يفقد كل يوم الكثير نتيجة تعنت القائمين عليه ومحاولة فرضه بالقوة، لا بد أن يدركوا وهم يقولون أن الإسلام لم يفرض بالسيف أنهم يفرضونه بالسيف والرصاص والقنابل وكل وسائل القهر ولا يعطون للمسلم حق اختيار عقيدته، لا بد أن يفيقوا يومًا ولكن الموضوع سيستغرق وقت يختلف تبعًا لتنوع العقليات، فالوقت سيكون أقل مع من تلمسه النعمة وسيكون أطول مع من يعيشون بعقلية العصور الحجرية.
]