إنها ظاهرة جميلة وعجيبة تبرهن علي صدق الرسالة المسيحية,تبرهن علي حقيقة الرسالة الرهبانية,هذا هو أسلوب النجاح الإلهي.الإنسان الذي قد يجد في حياته قبولا من جهة وعدم قبول من جهة,وقد يجد المتاعب في حياته والضيقات في حياته.لكن جميع ضيقاته انقلبت إلي خير للكنيسة ولمجد الله.وإن كان قد ذهب هو ضحية هذه الآلام فكما يقول المسيح 'من أهلك نفسه من أجلي يجدها' ربما كانت حياته قصيرة وأنهتها بعض الآلام التي ضيقت عليه لكنها جلبت خيرا كبيرا للكنيسة من جهة,وأيضا أثمرت لأنها قوضت في مملكة الشيطان ما قوضت.
واليوم نجد أن خدمته في حياته القصيرة أثمرت والثمر كل يوم يتزايد,ما معني هذا؟ معناه أن الرجل لم يحيا لنفسه بل كان حيا لسيده,ولكن كانت حياته ومتاعبه سبب بركة للكنيسة كلها ولمصر بأكملها.
هذاالجندي عندما جاء البطريرك أثيناغوراس بطريرك القسطنطينية,ويعد في مكانته المقدم بين جميع البطاركة في جميع الكنائس البيزنطية واستقبلناه في القاعة المرقسية في دير الأنبا رويس.لا أنسي الكلمات التي قالها الرجل في غيبة الأنبا كيرلس ولم يكن البابا كيرلس موجودا,إنما قال:إن البابا كيرلس وصل شذي عطر حياته الروحية فاستثار ذكرياتنا عن الأنبا أنطونيوس والأنبا مكاريوس والأنبا بولا والآباء الروحانيين.استعاد إلي أذهان الناس جميعا في الشرق والغرب,سيرة الآباء العظام في الروحانية والتقوي والأمانة لسيدهم.
وعندما ذهبنا إلي روما لنستحضر رفات مارمرقس الرسول في سنة 1968 في يونية,لم يذهب البابا كيرلس وإنما أناب عنه المطارنة لكن أقول لكم,كم كان الرجل وهو علي بعد المسافات موضع تحية وتكريم وإجلال وإكبار وكان البابا بولس السادس في خطابه يشير إلي مكانة الرجل الروحية التي مثلت عظم التاريخ لكنيسة الإسكندرية,تاريخ الرهبنة النقية الخالصة لوجه الله.
إن ما جري بعد حياة البابا كيرلس كان أعظم مما جري في حياته وهذا هو برهان الروحانية الصادقة وبرهان العمل الإلهي,هذا برهان علي أنه صار في الطريق الإلهي,وما يراه من مقاومات كانت هي حروب الشيطان,ولكنها تنتهي وتنتهي إلي خير ليس له فقط,حياته لا تهمه وشخصه لا يعنيه لأنه مات عنها,مات عن نفسه,ويوم أن صلوا عليه صلاة الموتي,علي وجه حقيقي قد مات,ماتت كرامته الشخصية,مات وجوده المادي البدني,ولكن عاش بعد ذلك وهذا هو مقام البقاء بعد الفناء.
أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في,أنا أموت في سيدي,سيدي يحيا وأنا فيه أحيا,أنا لا أموت.سوف لا أموت لأني موعود بالحياة الأبدية,إنما إذا مت عن آنيتي وعن ذاتيتي وعن شخصيتي وعن كرامتي,إذا مت عن حساسيتي لذاتي,مت في سيدي,سيدي يحيا وأنا فيه أموت,ذبت في سيدي,ذاب البابا كيرلس في سيده,فصارت الحياة للمسيح,هي حياة المسيح لكنه هو أيضا لم يمت بل بالعكس عاش,بل عاش في سيده وعاش ويعيش وسوف يعيش إلي الأبد.وأيضا يخدم لكن لا باسمه ولا لاسمه,إنما لسيده.
إننا نتذاكر حياة الرجل,إنما إذا كنتم تحبونه حقا,لا تظنوا أنه يفرح بمديحكم له,هذه أمور قد داسها بقدميه.ولم تعد لها مكانة عنده ولا جاذبية.إنما إن كنتم تحبونه خذوا من حياته نموذجا,خذوا من حياته مثالا,عيشوا كجنود للمسيح.
نحن المسيحيين لنا انتماء لشيئين:انتماء لمملكة السماء ولكن أيضا لنا انتماء لمملكة الأرض.
فالمسيحي يعيش مخلصا لبلده,مخلصا لأهله,ولكنه لكي يعيش مخلصا لوطنه ينبغي أولا أن يكون مخلصا لخالقه.ولا يمكن أن تتصوروا إنسانا خان سيده الذي خلقه يمكن أن يكون مواطنا صالحا..إنما العكس إذا كان الإنسان عبدا لسيده وشاخصا فيه ومتجها إليه سيخدم المواطنين وسيخدم أهله وسيخدم بلده وسيخدم الآخرين من دينه ومن غير دينه,لأنه يشعر أنه جندي في مملكة سيده,وسيده يشرق بشمسه علي الأبرار والأشرار وينزل المطر علي الجميع بلا تمييز,لا يتحيز ولا يتعصب...لا...أنا جندي في مملكة السماء ولي رسالة علي الأرض,رسالتي علي الأرض أن أخدم سيدي,أن أنشر الخير والحق والجمال بكل صوره,لا لأحد لأنه تربطني به رابطة القرابة اللحمية,إنما للكل لأن الجميع خليقة الله.وكل نفس مهما كان حكمك المبدئي عليها قد خلقت علي صورة الله ومثاله,محبة للجميع,محبة متسعة.
هذا القلب الذي حجمه كقبضة اليد كيف يمكن أن يتسع للناس جميعا ويحتمل الناس جميعا,إلا إذا كانت الروحانية أشرقت علي هذا القلب فحولته من قلب ضيق إلي قلب متسع يحتمل الجميع ويحب الجميع ويؤمن أن ما يراه من شر هو مؤقت ولكن بنعمة الله يتحول الشر إلي خير.
أيها الإخوة والأبناء تعالوا إلي الكنيسة وتعالوا إلي خدمة الملائكة وخدمة الملائكة هي العبادة,العبادة أولا وبروح العبادة يخدم الإنسان الآخرين,لا تبدأوا بخدمة الآخرين,بل ابدأوا بخدمة الملائكة أولا,وخدمة الملائكة تؤهلكم لأن تخدموا الآخرين لحساب سيدكم.لئلا تتحولوا إلي زعماء علي حساب مجد سيدكم.تعالوا وتعبدوا وصلوا 'ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه,أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه'.
وبولس الرسول يقول 'أقمع جسدي وأستعبده حتي بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا'.
خدمة الملائكة,كنيستنا كنيسة تعبدية,إذا حضرت القداس بروح الورع والتقوي انسحق,انسحق عن هذا العالم وليسرح فكرك في المعاني العظيمة التي تنطق بها كل كلمة في القداس الإلهي,إنما ضع في قلبك أولا أن خدمتك لله رقم واحد هي العبادة الصادقة,العبادة الروحانية,العبادة العقلية,العبادة بالقلب وبالإخلاص,لا بخبث ولا بمكر ولا لهدف من أي نوع من أنواع الأهداف.لكن بإخلاص وببساطة القلب.
فنتخذ من هذا البابا سراجاً,سيرة القديسين نور,إن هؤلاء القديسين منا,من طبيعتنا,من طينتنا,لا من عالم آخر,من عالمنا وحينما نري أمثال هذه المنائر العالية,إنها شهب ترشدنا 'التفتوا إليه وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض'.
الكنيسة منارة ولابد أن تكون لها منارة والمنارة ليست هي النور,هي حاملة النور.والقديسون ليسوا هم النور,النور هو الله,هو المسيح,'أنا نور العالم' المسيح هو النور ولكن القديسين موعودون أن يصيروا أنوارا كلما حملقوا في النور.يشحنوا بالنور فيتحولوا إلي نور ويضئ الأبرار كالكواكب في ملكوت أبيهم.