القمص ميخائيل إبراهيم
قال عنه قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث : " شخص من أهل السماء، إنتدبته السماء زمناً ليعيش بيننا وليقدم للبشرية عينة صالحة، وصورة مضيئة من الحياة الروحية السليمة. أدى واجبه على خير وجه. عمل على قدر ما يستطيع فى صحته وفى مرضه.. فى شبابه وشيخوخته.. فى قوته وفى ضعفه، ومازال يعمل كان يعمل كاهناً ومرشداً.. والآن أصبح يعمل كشفيع لنا أمام العرش السماوى.
فى يوم نياحته كانت عيناه تزرف الدموع على رجل عاش بركة لنا فى هذا الزمان، وإنساناً كان فيه روح الله.
كان نفساً هادئة مملوءة من الإيمان والطمأنينة، مملوءة من السلام الداخلى.. مبتسم الوجه بشوشاً، طيباً يعطى أكثر مما يأخذ.. يملأ كل من يقابله بالسلام والهدوء..يُخضع مشاكله ومشاكل أبناءه طوع مشيئة الله من خلال الصلاة.. أعطانا فكرة عن الأبوة الحقة، عن الرعاية السليمة..عن الحنان والحكمة التى من فوق التى هى من مواهب الروح القدس.
قال عنه أحد كهنة الكنيسة كان أبونا يكسب كل إنسان بالاتضاع ليس مع الكبير ولكن مع الصغير أيضاً فكم من مرة أعتذر لكثير من خدام الكنيسة لأنه وبخهم من أجل خطأ ارتكبوه وكان يعود يقول للواحد منهم "سامحنى با ابنى هات رأسك أبوسها".. أنها اسمى صور التواضع.
وفى أثناء الاعتراف كلما يعترف المعترف بخطية كان يرد فى بساطة واتضاع "الله يسامحنى ويسامحك" الله يغفر لك.. الله يحاللنى ويحالك".. وكان يشترك مع الخاطئ فى حمل الخطية.
ولعلنا نذكر فى هذا المقام هذه الكلمات لأحد أبنائه الكهنة: "كنت تخدمنى وأنت أب وأنا أبنك وأنت قمص وأنا قس..! وعندما كنت أقول لك "الطقس يا أبى" كنت تقول لى "الطقس هو المحبة"..!!
كانت مقابلة واحدة معه كافية لأن تعيد إلى الإنسان رجاءه مهما كانت سقطاته وكان يردد دائماً "عندى رجاء فى ربنا يصنع كذا".
حياة أبونا ميخائيل يوسف
ولد ميخائيل إبراهيم يوسف فى 20 أبريل عام 1899 ببلدة كفر عبده مركز قويسنا منوفية.. نشأ فى ظلال كنيسة العذراء مريم بكفر عبده.. وإلتحق بمدرسة الكنيسة وفيها تلقى مبادئ القراءة والكتابة والحساب من مرتل الكنيسة.. وكان دائم الصلاة والتسبيح وحفظ الألحان وحضور الإجتماعات، إلى جانب إشتراكه فى خدمة المذبح..
وفى عام 1908 إلتحق بمدرسة تابعة لجمعية (الترغيب فى التهذيب) لإتمام دراسته الإبتدائية.
واتم جزءاً من دراسته بمدرسة الأقباط بقويسنا، ثم بمدرسة الأقباط الكبرى بالقاهرة التى أسسها البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح. وعين موظفاً بوزارة الداخلية مركز فوه ومركز شبين ثم مركز كفر الشيخ ثم إنتقل إلى ههيا ثم إلى الجيزة.
كان كثير التردد على كنيسة مار مينا بمصر القديمة حيث إلتقى بالقمص مينا المتوحد (مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس) وكان موضع إنتباه الشعب والشباب الذين يترددون على الكنيسة بالصورة التقية العجيبة التى تمثلت فى شخص هذا الرجل المتواضع (ميخائيل أفندى) الذى يُقبِّل أعتاب الكنيسة وجدرانها وأيقوناتها حتى يصل إلى هيكلها ساجداً عابداً بدموع وورع.
وهو موظف بالجيزة دُعى للكهنوت فى كنيسة العذراء مريم بكفر عبده مسقط رأسه. لبى الدعوة ونال نعمة الكهنوت عام 1951 ثم رُقىَّ قمصاً عام 1952.
وقد أراد تحقيق أمنيته بتطبيق مجانية الخدمات فى الكنيسة ولكن لم تلائمه الظروف ففضل أن يبتعد إلى حين عن الكنيسة صوناً لسلامتها معتكفاً لدى أسرته بالقاهرة، متردداً على كنيسة مارمينا بمصر القديمة للتعزية الروحية. إلى أن دعاه القمص مرقس داود للخدمة بكنيسة مار مرقس بشبرا عام 1956، وكان يسافر بين الحين والآخر قاصداً كنيسة كفر عبده ليقدم للطلبة واليتيمات ولجميع أخوة الرب المساعدات السخية فى جميع المناسبات.
خدمته فى كنيسة مار مرقس بشبرا: هيأت الحكمة الإلهية أن يقطن القمص ميخائيل إبراهيم بجوار كنيسة مار مرقس بشبرا، وقد سمع القس مرقس داود بتقواه وفضائله فسعى للتعرف عليه وزاره فى مسكنه، وفى أحد المرات قام القس مرقس داود بصلاة القداس الأول وكان مكلفاً بالقداس الثانى أحد الأباء الرهبان الذى لم يحضر لعذر طارئ، ولكن عمل الله لم يتعطل إذ لمح أبونا مرقس القمص ميخائيل إبراهيم فى ركن بالكنيسة فعرض عليه الخدمة فقبل الدعوة، بعد إنتهاء القداس عرض عليه أمر الخدمة المؤقتة بها فلم يمتنع، وقد جذب بحكمته أفواج الشباب وأصبحت الكنيسة بفضل كاهنيها المثاليين كخلية النحل وقيل عنها (بالكنيسة التى لا تنام) ومازالت إلى الآن ببركة صلوات هؤلاء القديسين.
أبونا ميخائيل رجل إيمان ورجل صلاة، يصلى قبل كل شئ وقبل أى عمل يُقدم عليه مهما كان صغيراً أو كبيراً، صلاة مصحوبة بالمطانيات، أسماء أولاده وأصحاب المشاكل مكتوبة على المذبح لكى يتدخل الرب الإله فيها.
وكان يردد مزمور داود النبى دائماً أما أنا فصلاه، كان ممتلئاً من الروح القدس وخاضعاً لإرشاده فلا يعطى فرصة واحدة لنفسه للتكلم بل كان المتحدث دائماً على لسانه هو روح الله القدوس، فكان صوت الله يُسمع من خلال هذا القديس. و في خدمته كشماس في الهيكل كان من ساعة ارتداء ملابس الخدمة يمسك بيده اليمنى الصليب رافعا إياه فوق رأسه لا ينزله مطلقا عن هذا المستوى طوال خدمة القداس و كان لا يجلس مطلقا حتى أثناء تلاوة الرسائل أو أثناء العظة بل يظل واقفا رافعا صليبه بأقصى ما يستطيع.
حينما كان علمانيا (قبل أن يكون كاهن) كان يهتم بيوم الرب "الأحد" و يحضر فيه القداس قبل أن يذهب إلى عمله، و في يوم سبت حضر اميرالاى مفتش من الوزارة و نبه لدى وصوله أنه سيقوم بالتفتيش في اليوم التالي "الأحد" الساعة الثامنة صباحا، و طلب من ضابط المباحث التنبيه على كاتب الضبط، و كاتب الإدارة و كاتب الخفر "ميخائيل أفندي" للاستعداد للتفتيش و إحضار الدفاتر و السجلات في تمام الساعة 8 صباحا , و في تمام الساعة الثامنة حضر الجميع فيما عدا ميخائيل أفندي الذي لم يحضر و ذهب للكنيسة. و عندما سأل عنه المفتش و علم انه في الكنيسة بالرغم من التنبيه عليه ثار جدا و أرسل شخص يستدعيه من الكنيسة، فعاد الشخص قائلا أن ميخائيل أفندي يصلى و لا يستطيع الحضور و أرسل له ثانيا و ثالثا و لم يحضر، و كان ذلك يسبب له هياج اشد.
في حوالي العاشرة حضر ميخائيل أفندي و كعادته كل أحد قبل أن يصل إلى مكتبه مر على المسيحيين خصوصا الذين تغيبوا عن الكنيسة سألهم عن عدم ذهابهم و يوزع عليهم لقمة البركة ، فعل ذلك بهدؤ و اطمئنان و سلام داخلي عجيب على الرغم من معرفته بوجود المفتش و استدعائه له عدة مرات. ثم دخل مكتبه و هو يرشم نفسه كعادته بعلامة الصليب ثم حمل ملفاته و ذهب بها إلى المفتش و رفع يده بالتحية بصوته الهادىء و إذ بالمفتش يصرخ فيه "لقد أرسلت لك عدة مرات لماذا لم تجىء"، فأجاب "لقد كنت أمام الملك الكبير و لم يسمح لي بالانصراف إلا الأن و سعادتك ما تزعلش نفسك اعمل تحقيق و وقع على الجزاء الذي تراه"، فصرخ فيه المفتش "انت يا راجل تعرف ربنا لو كنت تعرف ربنا كنت تعطى ما لقيصر لقيصر و ما للـه للـه" فابتسم ميخائيل أفندي قائلا "انت يا سعادة البيه عارف ما لقيصر لقيصر و ما للـه للـه ؟ النهارده يا بيه بتاع ربنا مش بتاع قيصر". فهاج عليه المفتش قائلا "انت ازاى تكلمني بالطريقة ديه؟" و دخل بسرعة للمكتب المقابل و كان مكتب المأمور الذي كان سامعا لكل الحديث و أمسك المفتش بالتليفون ليتصل بمدير المديرية ليعمل تحقيقا مع ميخائيل أفندي لمجازاته، فما كان من المأمور بالرغم من انه اقل من رتبة الاميرالاى إلا انه منعه من التكلم بالتليفون قائلا "لا تتصل بتليفون مكتبى لمجازاة ميخائيل أفندي، و إذا أردت الاتصال اذهب و تكلم من عند عامل التليفون" فرفض المفتش إذ وجدها إهانة و طلب سيارة تقله للذهاب للمدير فرفض المأمور إعطائه سيارة يستخدمها في مجازاة ميخائيل أفندي قائلا "تستطيع أن تستأجر سيارة" و في الحال أخذ المأمور سيارة المركز و ذهب لمقابلة مدير المديرية (المحافظ) و هو ثائر على الإهانات التى وجهها المفتش لميخائيل أفندي
و قال "أنا أعطيت ميخائيل أفندي إذن أن يحضر كل يوم أحد الساعة العاشرة، باريت كل الناس مثل ميخائيل أفندي في أمانته و طهارة سيرته و نقائه. و بعد قليل حضر المفتش و حدثت مشادة بينه و بين المأمور أمام مدير المديرية و فصل المدير في الأمر بأن قدم حلا وسطا و حتى يرضى المفتش و هو نقل ميخائيل أفندي إلى مركز آخر و لا يجازى. و لكن هذا التصرف لم يعجب المأمور و قدم تظلما لكي يبقى ميخائيل أفندي الذي كانت سجلاته أدق السجلات و بسبب دقتها كان العمل منتظما بمركز بلبيس، إلا أن ميخائيل أفندي – و كان صانع سلام – أن ترجى المأمور ليوافق على نقله و قال له "لا أريد أن أكون سببا في شجار أو خصام بينكما". وتحت إلحاحه وافق المأمور و صدر قرار بنقله إلى ههيا، و كان يقول للجميع "لابد أن اللـه له حكمة في إرسالي إلى ههيا" و فعلا كان سبب بركة كبيرة لأهل ههيا وله معهم معجزات كثيرة
حينما كان يدخل لتقديم أوراق مصلحية للسيد مأمور المركز كان يرشم علامة الصليب بوضوح قبل دخوله و حينما يسأله المأمور عن ذلك كان يجيب ببساطة "لكي أجد نعمة في عينيك يا سيادة المأمور" فيشجعه المأمور على شدة إيمانه بإلهـه. و أراد بعض الناس أن يشوا به لدى مأمور آخر فطلب منه عدم رش الصليب أثناء دخوله و حاول أن يلقى عليه مسئوليات ضخمة لكي يقع في أى خطأ فيجازيه و يتسبب في نقله و تشريده. لكن المأمور حينما عاد لمنزله مرض ابنه الوحيد مرضا شديدا و رأت زوجته في منامها سيدة تلبس ثيابا بيضاء نورانية تقول لها" مالكم و مال ميخائيل؟" فقامت الزوجة مذعورة لتسأل زوجها "من هو هذا الانسان الذي تظلمه" و مالك به، فيستدعيه المأمور ليلا لكي يصلى على ابنه و يقوم الابن معافى .
بعد 6 اشهر من استلامه عمله الجديد في ههيا مرض له ولدان و توفيا في يوم واحد و خرج الصندوقان خلف بعضهما. و لكن ميخائيل أفندي كان متعزيا و يقول "أحمد اللـه أن لي ولدين في السما، يا ريتنى احصلهم و أكون معهم في فردوس النعيم".
جلس اليه مرة شخص غير مسيحي و كان يعمل صرافا و أخذ يبدى إعجابه به ثم قال له "آه يا ميخائيل أفندي، آه لو تيجى عندنا.." فسأله و ماذا يعجبك في شخصي؟ و حالما سمع الرجل هذا السؤال حتى طفق يعدد فضائله و حسناته التى كان فعلا يتحلى بها فقال له ميخائيل أفندي" انت عارف الحاجات دى أنا جبتها منين؟" فقال له "منين؟" أجابه "من عند المسيح بتاع النصارى، يوم ما أسيبه تسيبنى".
في أسبوع الالام كانت لا تفوته ساعة من سواعى البصخة المقدسة يعيش في عمله و بيته مع سيده في آلامه ساعة بساعة إلى أن يأتى خميس العهد فيتناول من الأسرار المقدسة و يظل صائما صوما انقطاعيا إلى أن يتناول في قداس سبت الفرح و فجر الأحد. و يظل طوال الثلاث أيام نشيطا كما هو بالروح لدرجة انه كان يقضى طوال يوم جمعة الصلبوت راكعا على ركبتيه خلف أيقونة المصلوب و وجهه إلى الهيكل، فتحسبه قديسا راكعا تحت الصليب. و بعد إتمام مراسيم التجنيز و الدفن داخل الهيكل و تلاوة المزامير مع اخوته فيبدأ عمى ميخائيل جولة جديدة مفتقدا اخوته الأرامل و اليتامى و المحتاجين بالبركات التى تكون قد وصلت اليه خلال الصوم المقدس يطرق أبواب اخوته في ظلام الليل موزعا الخيرات ليسعد الجميع بقيامة الفادى
في عطلة صيفية حضر اليه ابناه من مصر و عند محاسبتهما علم انهما لم يدفعا ثمن تذاكر السفر فأخذهما إلى محطة ههيا و اشترى تذكرتين من ههيا إلى مصر و مزقهما على الرصيف أمام ولديه ليعرفا أن عدم دفع أجرة السفر خطية
+ ويذكر أبونا شنودة ماهر الذى كان أبونا ميخائيل أب إعترافه إنه عرض عليه موضوع ما، فبدأ أبونا ميخائيل يقول إرشاده لكنه توقف وصمت فى منتصف حديثه ولم يتكلم، وقال له انبدأ نصلى معاً ثم قال له أبونا ميخائيل توجيهاً وإرشاد عكس ما قاله قبلاً تماماً. هذا هو عمل الروح القدس معه.
أيضاً يذكر لنا أبونا جورجيوس عطا الله هذه الواقعة:
فى يوم 9 مارس 1971 كان أبونا ميخائيل مريضاً بذبحة قلبية وكان ممنوعاً من الزيارة، وكان عندى محاضرة ألقيها فى الجامعة الأمريكية فعلمت بخبر إنتقال ونياحة قداسة البابا كيرلس السادس. فذهبت إلى البطرخانة كى ألقى عليه النظرة الأخيرة، وكان جالساً على الكرسى والناس تأخذ بركته، فرجعت بعدها إلى الكنيسة وكنت فى حالة إعياء شديد وضيق بسبب وفاة هذا القديس ومرض أبى الروحى أبونا ميخائيل، وفى ظل هذا التعب وإذ بى أجد إبن إبنة أبونا ميخائيل يبلغنى بأن أبونا يريد مقابلتى، فذهبت فوراً وقبل دخولى إلى حجرته طلبت منى إبنته بصوت منخفض ألا أفصح لأبونا خبر إنتقال سيدنا البابا كيرلس حتى لا يتأثر وهو مريض، فدخلت وجلست معه قليلاً ثم حاورنى وطلب منى أن أفتح الدولاب الخاص به فأطعته فقال يوجد ظرف به نقود عدها وربنا يسد عنى وعنك يا سيدى وقرأت الأسماء الموجودة على الظرف الخاص بإخوة الرب ثم طلبت الإنصراف ولكنه طلب منى أن أجلس بعض الوقت، جلست فبدأ ينظر إلى نظرات غريبة لم أراها منه من قبل، وكأنه منتظر أن أبلغه شيئاً، ولكنى لم أتكلم خوفاً على صحته، فقال لى: أنت دريت(علمت) البابا كيرلس وصل قبلنا، فتعجبت جداً فلم يخبره أحد قط، وسألته من الذى أبلغك بذلك فلم يرد على، كررت السؤال ثلاث مرات ولكنه لم يرد على، حقاً كان روح الله يرشده ويفصح له عما هو خفى.
شتائم أطفال المسلمين خلف أبونا
حكى الأنبا بيمن أسقف ملوي المتنيح قائلا : " كنت أسير معه مرة في شارع شبرا (و ذلك قبل أن أترهبن) و إذ ببعض الأطفال يصيحون وراءنا بألفاظ نابية فنظرت اليهم إلى الخلف بحدة كى انتهرهم فإذ بأبونا ميخائيل يقول " يا ابنى انت زعلان ليه إذا كنت أنا فرحان أن ربنا استخدمنى لكي ينبسط هؤلاء الأطفال" فتعجبت كيف انه حتى صراخ الأطفال و شتيمتهم حولها إلى سرور قلبه
+ وأيضاً عندما كان الكرسى البطريركى خالياً فقد علم أبونا ميخائيل بأن البطريرك الجديد هو قداسة البابا شنودة الثالث الذى كان أسقفاً للتعليم وقتذاك، وقد أبلغ ذلك الخبر لأبونا شنودة ماهر وكلفه أن يخبر الأنبا شنودة بذلك.
وكان روح الله يرشده ويعلمه بأمور خفية.
ويذكر لنا أبونا شنودة ماهر أيضاً أنه كان يريد أن يكرس حياته لخدمة الرب فسأل أبونا ميخائيل فى ذلك فقال له أبونا أذهب للشغل، فتعجبت جداً وسألته عن ما هى العلامات التى يعطيها الرب للخادم حتى يكرس حياته مفق مشيئة الله - فكان رد أبونا ميخائيل (لما يحصل لك كذا وكذا وكذا) وكانت أشياء غريبة صعبة الحدوث كما يصفها أبونا شنودة، وبعد ثلاثة شهور تم قول أبينا بالضبط فرجعت له ووافق على تقديم إستقالتى التى قبلت بسهولة عجيبة نتيجة فاعلية الصلاة لهذا القديس.
+ كان إيمانه بعلامة الصليب قوياً جداً حيث أن كل من يقابله يرفع يده اليمنى ويرشم علامة الصليب على جبهته فينال هدوء وسكينة وإطمئنان وتذهب عنه كل المشاكل والأتعاب، كان يدرك بإختبار إنجيلى مدى أهمية التسليم للرب يسوع لكى يدبر حياته كما يليق وفق إرادته، فكان يقبل كل ما يسمح به الرب فى حياته من التجارب والألام التى جازت فى نفسه ءخاصة عندما إنتقل طفليه فليمون وبولس فى آن واحد إلى السماء، ثم إنتقال إبنه البكر الدكتور إبراهيم وإنتقال زوجته الفاضلة إلى السماء، ولكن تعزيات الروح القدس كانت تملأ قلبه.
ماذا فعل عندما توفى أبنه ؟
حدث أن الدكتور إبراهيم ميخائيل الابن البكر لابونا ميخائيل كان في الثلاثين من عمره وهو عريسا لم يكتمل على زواجه عام واحد و ولدت ابنته أن أسره العدو كضابط طبيب في حرب عام 1956، و لما عاد إلى ارض الوطن جريحاً في المستشفى لم يكن يهم الأب عندما عرف أن ابنه يعانى من مرض خطير إلا أن كان همه أن يطمئن على مصيره الأبدي فأسرع في لهفة إلى أحد الآباء يستدعيه إلى المستشفى ليستمع إلى اعتراف ابنه حتى يأخذ الأسرار المقدسة اليه فلما أتم هذا كله استراح ضميره و حينئذ لم يكن عجبا أن نراه و قد سار خلف نعش ابنه متعزيا. اشترك أبونا ميخائيل مع الآباء الكهنة في الصلاة على جثمانه و بعد القيام بدفنه أمر المشيعين أن ينتظروا قليلا حتى يرفع شكره للـه و صلى قائلا "أشكرك يارب لأنك أخذت وديعتك، الرب اعطى و الرب أخذ فليكن اسم الرب مباركا". كانت يوم الوفاة الجمعة و لم يتأخر أبونا عن القيام بالقداس في يوم الأحد "يوم الثالث". و قد جاء القس يوحنا شنودة من بلدة قلوصنا بمحافظة المنيا للعزاء و عند مقابلته لأبونا ميخائيل غلبته العاطفة فبكى و لم يتفوه بكلمة واحدة فما كان من أبونا ميخائيل إلا أن اسكته قائلا "مش إحنا اللى نعمل كده ، لو ابنى انتدب في بعثة علمية لأمريكا مش كنت أفرح؟ إذن أفرح اكثر لما راح السما.. إحنا إلى نعزى الناس علشان كده لازم قلوبنا تكون مليانة من العزاء ..و لو أن منك نستمد البركة إلا انى اتجرأ و أقول لك عليك البركة تسكت و تبطل بكا
+ علاقته بالقديسين: كان مرتبط بهم فى محبة وصداقة، يتوجه إلى الصور والأيقونات يلقى السلام على كل منهم ويطلب معونتهم ومشاركتهم الفعلية فى حل المشاكل لشعبه وأولاده.
+ متواضع القلب والفكر يسلك حياته غير متكلفا يطلب الصلاة من الآخرين. وفى صلاته كان يطلب فى إتضاع وإنسحاق قلب من أجل نفسه ومن أجل الآخرين فيقول "سامحنى يارب وسامح أخويا".. وكم من مرات إعتذر لكثير من الخدام لأنه وبخهم من أجل خطأ إرتكبوه وكان يعود يقول للواحد منهم "سامحنى يا أبنى هات رأسك أبوسها" وكم من مرات يعمل مطانيات لمن يعنفه على حق. فى يوم عيد ذهب أحد أبنائه الشمامسة إلى الكنيسة متأخراً وكان يود أن يخدم شماساً ولم يجد تونية ليلبسها فبكى وخرج وعند الباب قابله أبونا ميخائيل وسأله عن سبب بكائه فلما عرفه أخذه بيده الحانية ثم دخل وأخرج تونيته الخاصة وقال له: عليك البركة ألبسها وأخدم وماتزعلش.. فلما امتنع الشماس قال له "عليك البركة ألبسها وأخدم وأفرح لأنه لا يصح أن نحزن فى هذا اليوم".
حبيب الفقراء والمحتاجين: كثيراً ما شارك أخوة الرب فى موائد المحبة التى كانت تقيمها الكنيسة حيث كان يجلس فى وسطهم ووجهه ممتلئ بالفرح والبشاشة. وما أكثر القصص والذكريات التى يرويها خدام الخدمة الإجتماعية من الحب العميق الذى كان فى قلبه نحو أخوة المسيح. وكان دائماً يحتفظ بسرية الحالات وسرية أسماء الذين يقدمون العطايا، وكان دائم الإفتقاد لهم وزيارتهم فى منازلهم دون أن يجرح مشاعرهم بل يعاملهم فى حب وإحترام. وأهم شئ كان يوزع بأمانة النذور والبكور على الأسر المحتاجة.
المرشد الروحى وأب الإعتراف : فقد كان أباً بكل ما تحويه الكلمة من معان. يسعى نحو الخراف إذا وجد فيها كبرياء ينحنى كى يحملها ويرفعها، وكم من خطاه تابوا على يديه، وكم من قادة نالوا منه الإرشاد الحكيم، وكانت أبوته لا تعرف المحاباة أو التمييز لأنها كانت تستوعب الجميع بمحبته وبذله وتضحيته التى بلا حدود. كان يصلى دائماً من أجل أولاده ويكتب أسماءهم ليضعها على المذبح حتى يذكرهم كلا باسمه وكان يؤمن أن ذبيحة القداس الإلهى لابد أن تحل أى مشكلة توضع عليها لذا كان يضع كل المشاكل أمام الله وقت السجود فى القداس قبل حلول الروح القدس هكذا كان أبونا ميخائيل
وكان من عادته أن لا يبدأ أى إعتراف ولا يقبل أى كلام إلا إذا صلى أولاً مع المعترف ليرشد الروح القدس ويعمل ويتكلم فى بدء الإعتراف. وكان كلما إعترف المعترف بخطيته كان يرد ببساطة وإتضاع "الله يسامحنى ويسامحك". وكان يستمع للمعترف وهو مغمض العينين ويخرج من فمه كلام يتحقق بمرور الوقت. وكان إرشاده يتلخص فى كلمة واحدة هى "الصلاة" وكانت صلاته تقتدر كثيراً فى فعلها، وكانت مقابلة واحدة معه تكفى لأن تعيد للإنسان رجاءه مهما كانت سقطاته وكان إرشاده نابعاً من وصايا الكتاب المقدس، كان مرشداً لكثيرين من قادة الكنيسة وأب إعتراف لأساقفة وكهنة كثيرين.
الإفتقاد : كان يهتم جداً بالإفتقاد حتى فى كبر سنه وشيخوخته، فكان يعطى مساحة عريضة من وقته لزيارة المرضى والحزانى والأرامل والمستشفيات والسجون وأصحاب المشاكل العائلية، وأيضاً كان يهتم إهتماماً شديداً بإفتقاد المسافرين بالخطابات الرعوية وزيارتهم قبل سفرهم. كان يصلى قبل الإفتقاد ويصلى فى الطريق إلى الإفتقاد، وقبل أن يقرع الباب يرشم الصليب ويصلى الصلاة الربانية، وقبل أن يتكلم يصلى ويقرأ فصلا ًمن الإنجيل، ويختم الجلسة بالصلاة ويرشدهم بالتناول من الأسرار بإستمرار.
+ علاقته بالكتاب المقدس : كان الكتاب المقدس ركناً أساسياًفى حياة أبينا فكان يلهج نهاراً وليلاً فى كلمة الله فهى غذاءه اليومى، فكان يضع خطوطاً تحت آيات معينة وتعليقات فى الهوامش، وكأن الكتاب المقدس هو رسالة شخصية من الله إليه. أما عن عظاته فكانت تتسم بالبساطة مع العمق كأنه يتحدث مع أهل الريف أو القرية ولكن فى نفس الوقت كان الحديث عميقاً جداً يحمل الرسالة والفكرة إلى القلوب والعقول مستعيناً بالآيات الكتابية والقصص وسير القديسين.
كان يسير بحياة التدقيق إذ كان حريصاً على إتمام صلاة القداس وكل طقوس الكنيسة كاملة دون أن يترك فيها كلمة واحدة. وكان ينصح أولاده بأن تكون حياتهم مثالاً للإلتزام والتدقيق فى كل شئ. ورغم جديته فى كل شئ وروحانياته العالية كان دائم الفرح بشوشاً مبتسماً وكانت الإبتسامة تعكس السلام الداخلى الذى يفيض على كل من يتقابل معه.
إنتقاله ودفنه فى الكاتدرائية الكبرى
فى 26/3/ 1975 م إنتقل القمص ميخائيل إبراهيم إلى السماء لينعم فى أحضان الآب السماوى مع القديسين والملائكة بعد رحلة فى هذه الحياة دامت ستة وسبعين عاماً، كل يوم فيها له قدسيته وله تأملاته وصلواته وله شركته مع الله.
قال قداسة البابا شنودة الثالث فى يوم نياحته خسارة كبيرة أن نُحرم من هذا القديس، نحن نؤمن أنه لم يمت بل هو إنتقل ولكن لاشك أن هذا المرشد العميق وهذا القلب المحب وهذه الطاقة الجبارة قد بعد عنا، نطلب أن يكون قريباً منا بصلواته وطلباته.
قال البابا شنودة في مراسم الصلاة عليه " عندما طلبت منهم في كنيسة مارمرقس بشبرا أن يدفن هنا في الكاتدرائية اسفل الهيكل الكبير خلف ضريح مارمرقس فان السبب الظاهرى الذي قلته لهم هو الآتى : "إن القمص ميخائيل رجل عام ليس ملكا لكنيسة واحدة و ابناؤه في كل موضع ، كل حى في كل بلد و لا يصح أن يقتصر على مكان معين فالأفضل أن يدفن هنا في مكان عام". أما السبب الحقيقي الذي في أعماقي فهو أنني كنت أريد أن يصير جسد هذا الرجل سندا لنا في هذا الموضع، نستمد منه البركة .. (و هنا بكى البابا، و قام نيافة الأنبا يؤانس أسقف الغربية يكمل الكلمة).