فى يوم هادئ مشرق وجميل ومشمس، هبط ملاك من السماء إلى هذا العالم العتيق وجاب فى أنحائه، جاب المزارع والغابات، دار فى المدن والقرى . وبينما شارفت الشمس على المغيب ، نثر الملاك أجنحته وقال : " لقد انتهت زيارتى الآن ويجب أن أعود إلى عالم النور ولكن قبل أن ارحل يجب ان احصل على تذكار لهذه الرحلة ." نظر الملاك الى حديقة زهور جميلة وقال : " يا لهذه الزهور ! كم هى رائعة وزكية . " واقتطف أندر نوع من هذه الزهور وكوّن باقة وقال : " أرى أنه ليس هناك ما يفوق هذه الزهور روعة وعبيرا، سوف آخذها معى ." ولكنه القى نظرة أبعد فرأى رضيعا ذا عينان تبرقان وخدا متوردا يبتسم فى وجه أمه ، فقال : " إن ابتسامة الرضيع أجمل من هذه الباقة، سوف أحملها معى ايضا " . ولكنه نظر فيم وراء المهد فإذا به يرى حب الأم وهو يتدفق كتدفق النهر صوب المهد، فقال : يا إلهى ، إن حب الأم هو اجمل ما رأيت على سطح الأرض ، سوف أحمله معى أيضا " . حمل الملاك كنوزه الثلاثة وطار عائدا إلى الأسوار المتلألئة ثم توقف فى الخارج قائلا : " قبل أن أدخل سوف أتفحص التذكارات " . فنظر إلى الزهور فوجدها قد ذبلت ، ثم نظر إلى ابتسامة الرضيع فإذا بها قد بهتت، ثم نظر إلى حب الأم فإذا به يموج وهو فى أوج جماله
فألقى الزهور الذابلة والابتسامة الباهته ونثر جناحيه صوب الأسوار وراح يخاطب الجميع بصوت مرتفع : " إليكم الشئ الوحيد فى الأرض الذى استطاع أن يحتفظ ببريقه طوال رحلتى
إنه حب الأم
يمر عيد ميلادى كل عام بنفس الطقوس فتأتى أمى لزيارتى فى هذا اليوم القارص البرودة من أيام الخريف ، أقوم بفتح الباب لأجدها واقفة فوق الدرج بينما يطيح الهواء بأوراق الشجر حول قدميها
يحمل الهواء دائما شيئا من البرودة فى ذلك اليوم كما تحمل أمى دائما فى يديها هديتى ، كانت تهدينى دائما شيئا صغيرا وثمينا ، شيئا أكون بحاجة إليه منذ فترة طويلة غير إننى لم أكن قد استشعرت هذه الحاجة
كنت أفتح الهدية بمنتهى الحرص ثم أحتفظ بها بمنتهى العناية وأحتويها داخل قلبى. كم كانت تبدو تلك الهدايا رقيقة فى يد أمى
إن كان بوسع أمى أن تحضر حاليا لزيارتى فى يو عيد ميلادى كنت سأصطحبها إلى المطبخ الدافئ وأتناول معها الشاى ونشاهد معا أوراق الأشجار وهى تتهاوى فوق النافذه
وعندئذ، لن أسرع فى فتح هديتى لأننى سأكون قد عرفت وقتها أننى فتحتها بالفعل عندما فتحت باب المنزل الأمامى لأجد أمى أمامى والهواء يطيح بأوراق الأشجار حول قدميها